الخميس

بربرة ..!



يستعذب كثير من العوام عملية الربط بين مسميات الأشياء وتواشجاتها الصوتية واللغوية ، تماما كما يستعذبون الربط بين بعض المظاهر الطبيعية وتوجهاتهم الفكرية ، وعملية الربط بين المسميات وأصواتها نظرية لغوية متطورة كان اللغوي الشهير أبو الفتح عثمان بن جني قد وسمها ب ( محاكاة أصوات الطبيعة ) وجاءت في كتابه الشهير ( الخصائص )، وليس هذا المبحث الشهير والمتطوّر على زمنه هو ما عنيته هنا بل حديث طريف دار بيني وبين أحد أصدقائي حول جهاز ( البلاك بيري ) إذ قال متهكّما من أين جاءت تسمية هذا الجهاز ، وهو يعلم أن مسماه مصطلحًا أجنبيا لايستطيع أحدهم ادعاء الربط فيه ..كما ادّعوا أن إبراهيم تحريف ل ( أب رحيم ) أو أن (الكيرسون ) تحريف لمفردة ( قرصان ) ، أو أن كلمة ( بوك ) مثلا هي ضمير ( كتابك ) كما يشاع لدى البعض ، لكنني استعذبت مثل هذه الادعاءات تماديا في إغاظته وانتقاما من تهكّمه حينها وقلت له إن كلمة ( بلاك بيري ) مشتقة من المفردة المحكية الدارجة ( بربرة ) ومرادفها اللغوي ثرثرة كما يدرك الكثيرون ، ولأن هذا الجهاز الصغير الذي علّمنا كيف نستعذب تنكيس رؤوسنا دائما لايزال في جل استخدامه معنيا بالثرثرة ورواج الشائعات والطرائف والأخبار المستفزّة على الرغم من أنه إحدى منجزات الاتصال المهمة والعملية، ولهذا كان لنا في سيرة أجدادنا الأولين سنّة وأحلنا اشتقاقه إلى تلك المفردة المحكية ...!

أعود لعملية الربط وأقول إن تاريخنا حاول دائما إيهامنا أن لغتنا كانت الأولى بالاتباع دائما، وأنها وعاء لكل منجزات الحضارة، ما تقدم من شؤونها وما تأخّر، والحقيقة أن لكل قومٍ لغتهم، ولكل أمة تراثها المحفوظ في لغتها، ولكل حضارة مصطلحاتها وتسمياتها بما يتواءم مع رؤيا أهلها وثقافتهم اللغوية، وفي المقابل لا تحتاج لغتنا العربية لمثل هذه الاعتسافات الساذجة ولن يضيف لمعجمها ( الكيرسون )، ولا هذا الجهاز ( البربري ) إلا شيوعًا لعاميتها وإمعانا في تغريبها، والمزيد المزيد من الرؤوس المنكّسة، والحمد لله أنني مازلت أردّد لأصدقائي : ( سأحاول دائما أن أحيا مرفوع الرأس في زمن البلاك بيري ..) ...!


للكاتب إبراهيم الوافي

هناك 5 تعليقات:

  1. أقول صحيح أن هناك كثير من الربط غير صحيح بل وفيه تكلف وبعضه يكون أضحوكة في ربطه، ولكن لا يعني هذا أن نغفل بعض الكلمات التي فيها تقصد للإساءة لهذا الإسلام العظيم، فلا ننكر أن ديننا مستهدف ومحارب لا يختلف على ذلك اثنان، والسبب في ذلك أنه هو الدين الحق وهو الدين الذي أثبت تقدمه ورقيه وتوسعه واندماجه مع جميع أطياف المجتمع وجميع ألوان الحياة فهو صالح لكل زمان ومكان كما هو معلوم، ولكن أريد أن أنبه أن غربة المسلم بين الكفار هو بحد ذاته تميز، بل وغربة المتمسك بمظاهر الدين الشكلية هو تميز أيضا ونعلم علما يقينيا أن الإنسان لا يمكن أن يكون منتجا ناجحا مبدعا متفاعلا إلا إذا تميز، وهذا هو أيسر أنواع التميز فلماذا لا نتميز ونفخر بذلك التميز؟!!!
    ومضة العودة:تعودت حينما أصحو أن أبدأ بالأعمال السهلة والممتعة وليس بالشاق أو ما تكرهه النفس، فصار من عادة خواطري كلما صحوت أن تتجه تلقائياً للسهل المحبوب الذي يباشرها فأستفتح حياتي بفرحة.
    محبكم،،،،

    ردحذف
  2. كـــيــوت|...7 سبتمبر 2011 في 12:27 م

    إلهي جملنا /
    بحلتين:
    (قلب رحيم,
    وعقل حكيم)

    ردحذف
  3. السلام عليكم وعذرا على الانقطاع
    عجبت من تعليق الاخ محبكم وخصوصا
    جملة ((ولكن لا يعني هذا أن نغفل بعض الكلمات التي فيها تقصد للإساءة لهذا الإسلام العظيم))
    اين وجد هذا الامر في المقال من باب الانصاف ذكره لنا
    ارجو التوضيح
    والشكر للاخ كيوت على اللفته الجميلة

    ردحذف
  4. ^
    ما فهمته من كلام الأخ محبكم
    أن هناك بعض الكلمات يطلقها الغرب وهم يقصدون الإساءه لديننا ولا يجب أن نغفل عنها
    فالكاتب لم يذكر ما أطلقه الغرب من كلمات للإساءه على الإسلام

    أعجبني جداً كلام الكاتب
    فحقاً البعض تستحي أن تجالسه لأنه يبقي راسه للأسفل مهتما بما يخرجه هذا الجهاز ولا يُلقي لك بال إن كنت بجانبه
    لكنني سأحيا مرفوع الرأس في زمن البلاك بيري

    ردحذف
  5. شكرا أخي واضح
    وأشكر بقايا قلم على توضيحه:
    كلام الكاتب لا غبار عليه،
    ولكني أردت أن أنبه أن هناك كلمات مقصودة، غير ما ذكره الكاتب، حتى لا نهون من قضية الربط بين الكلمات ونعتبر كل ما جاء من ربط ليس بصحيح، بل لابد من الموازنة،
    ولا يعني هذا أن نتصيد الكلمات ونتعرف على مقصود من أطلقها، فإن هذا تكلف، لكن ما كان واضحا مقصوده فإنه من اللائق ألا يمر بسلام بل لابد من توضيح مراد قائله ومقصوده
    وهذه رؤية وخاطرة طرحتها قابلة للنقد فبالنقد نرتقي لنلتقي فوق الثريا
    ومضة العودة:أصعب النقد نقد مجتمعك بصدق؛ فالناس لم يتعودوا سماع التفكيك الواعي لنفسياتهم وطرائق تفكيرهم، ويظنون النقد عداوة أو انفصالاً عنهم.. يا لها من معضلة!!
    محبكم،،،

    ردحذف

شاركنا بتعليقك ...

رسائل الجوال

قالوا الوسادة تحمل رأس الغني والفقير والصغير والكبير والحارس والأمير لكن لا ينام عليها بعمق إلا مرتاح الضمير