الجمعة

آلاف يرفضون استقالتك !


« ارحل ارحل »!

بينما حين هدّدت بالرحيل؛ تَجَمَّع الآلاف دون أن يعرفوك، يُلوِّحون لك صادقين بشعارات الحب، والأمل، والخلاص، ويطالبونك بالبقاء بينهم ومعهم، ومن فَرْطِ حبهم ربما ارتفعت وتيرة تحذيرهم، أو تجاوزت عبارتهم، ولكنه حَدَبُ المُحِبِّ؛ الذي يُصرُّ عليك أن تُرْعِيه سمعك، وقد يصدم نفسيتك المرهفة من حيث أراد صدمة العلاج، وكم من مريد للخير لم يبلغه، وكفى بالنية الصادقة عذراً إلى روحك الشفاف المحزون!

إحداهن حملت لوحة ثقيلة حفرت عليها: « إِنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وإِنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ».

أخرى تُقْسِم لك أنك سوف ترين الدنيا بعيون جديدة، وتكتشفين مباهجها، وجمالياتها، ومتعها العذبة.. فقط امنحي نفسك المزيد من الفرص!

متابع حصيف يهمس لك: استمعي للكلمة المذهلة التي ألقاها (ستيف جوبز) في حفل تخريج بهيج، كيف نام على البلاط، ومشى أميالاً لكي يحصل على وجبة مجانية..كيف عانى في الحصول على عائلة تتبناه..كيف طُرد -ببساطة- من شركته التي أنشأها..كيف أحسَّ حين اكتشف السرطان في بطنه وأمعائه..كيف قال: « عش يومك هذا وكأنه اليوم الأخير في حياتك، ستكون صائباً يوماً ما! » ..

إنها حكمة الحياة تُلتَقط أنى وُجِدَت!

محبة ترشدك لعلاج الروح؛ بالذكر، والسجود، والاستغفار، والقرآن: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)(الرعد: من الآية28).

وأختها تعزز بالعلاج النفسي؛ فمراجعة العيادة النفسية ليست عيباً يُخْجَل منه، ولا هي وَقْفٌ على المجانين -كما يتوهَّم بعض الجاهلين-، ولو نطقت أرشيفاتها لأخبرت عن: مشاهير، وعلماء، ووزراء، وأمراء، وتجّار.. يترددون عليها كلما ألمّ بهم عارض، أو أعياهم ألمٌ خَفِيٌّ.

مجرِّبَةٌ حاولت يوماً الشيء ذاته الذي تفكرين فيه، وأنجاها الله بفضله ورحمته، تُقدِّم لك تجربتها؛ لتعلمي أن كثيرين مثلك يعانون ويألمون، ولكنهم يرجون من الله ما تعجز عنه الحيلة البشرية، ونِعْمَ العبد نزلت به نازلة فأنزلها بين يدي ربه ومولاه، فالثقة بالله حبل لا ينفصم.

ضعي رأسك في الأرض؛ خشوعاً لله، وارمي بأثقالك إليه، واستحضري أنه بها خبير، وعلى كشفها قدير.

الدعوات الصادقات تُلهب حماسك، وتشحذ خيالك، وتشعرك أن الدنيا طوع بنانك.

فتى يُذكِّرك: أن خالق الظلام والديجور هو خالق الضياء والنور!

وأنا أقول: العالم يقيس بسرعة الضوء لا بسرعة الظلام، ما أسرع فرج الله! وما أصدق القول -الذي كنت أُردده في السجن ورأيته في العديد من الحالات-: « الشِّدَة بتراء لا دوامَ لها »!

(زاهدة) تسألك: عندما طفشت من الدنيا أردت الرحيل.. أتعلمين إلى أين أنت راحلة؟

لن يكون فناء ولا عدماً، فأنت لا تصنعين نظام الكون، أنت ذرَّة فيه.. سترحلين إلى الدار الآخرة، وعندما لا ترتاحين في الآخرة فماذا سوف تصنعين، وإلى أين ستذهبين؟!

رغم بساطة السؤال فإن صياغته صادمة وحاسمة، بل ومزلزلة (لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)(قّ: من الآية37).

(سارة): تدعوك للتفكير في الوجه الآخر من الحياة، افتحي عينيك على ذاتك، وعلى ما حولك، ومَنْ حولك، قَطْعاً ستجدين أبواباً مفتوحة، وفرصاً واعدة، وأحلاما جميلة؛ لا تقعي أسيرة لحظة يائسة، أو موقف صعب، ولا تطيلي الوقوف عند الأبواب المغلقة والطرق المسدودة.

(أمين): يُذكِّرك إذا ظننت أن حظك من الدنيا قليل ألا تخسري حظك من الآخرة، ومن حُسْن ظنك برب العالمين.

كثيرون يستوضحونك عن الأسباب والظروف، وبِغَضِّ النظر عن الهازلين؛ الذين يعرضون خدمات الانتحار السريع، أو الزواج.. وأقول لهم: (ما تضحك!) فثمَّ أصحاب خبرة ميدانية، أو دراسة علمية؛ يرون أن معرفة الأسباب لا تمنح العذر، ولكنها تعين على اختيار الحل الأمثل.

يرى أحدهم أن الأمر هَزْلٌ، أو لفت نظر، أو تهديد لا يرقى إلى أن يكون حقيقة.

ثمَّ نسبة معتبرة تفكر بالانتحار، أو يخطر ببالها ولا تفعله، بيد أن من الحزم أن تأخذ الأمر مأخذ الجِدِّ وليس الهَزْل، أو اللامبالاة؛ خاصة إذا وُجِدَ ما يدعو إلى ذلك؛ من حدوث محاولة سابقة، أو وجود ضغط شديد، أو جرأة.

أحد الناس شاهد جاره يُلوِّح له عند الصباح، ولأنه كان متأخراً عن الدوام فقد اكتفى بإشارة سريعة، وواعده عند المساء، وحين عاد وجد سيارة الإسعاف تحمل جاره المسكين جثة هامدة! ربما شعر أن الناس تخلَّت عنه وألا أحد يكترث له.

أعتب على شاب يقول: (المقابر فاضية)! يا بني هل زرتها؟ هل ذرفت دمعة أسى على فراق حبيب؟! أحياناً يكون الشباب شُعْبَةٌ من الجنون، وليس دائماً!

مَنْ يحاول، أو يفكر بالرحيل، أو يسأل المشورة.. لا يليق أن تقول له: أنت غبي أو فاشل! فهو يقول ذلك عن نفسه، ويَعُدُّ الغباء والفشل سبباً كافياً للإقدام، وتقييمه السلبي لنفسه يدفعه للانتحار.. فلماذا نُكرِّس لديه هذا الإحساس؟ فنكون ممن أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة، ويُخشى أن يكتب بين عينيه: « آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ »!

تمرُّ بالمرء ظروف عَصِيَّة عصبيَّة، أو حالات اكتئاب حاد تضيق معها الحياة، أو حرمان من الحرية، أو من العمل، أو الدراسة، أو الارتباط بحبيب، وربما ألَمَّت به نازلة خانقة؛ دمرت ما بنى ليعود إلى الصفر، أو ارتكب خطأً أحاط به، وأفسد خطط الحياة لديه، أو وقع في فضيحة، أو خاب ظنُّه بصاحب، أو تعرَّض لامتهان، أو اغتصاب، أو تدمير كرامة..

يتوجَّب علينا النهوض من جديد، واستجماع القوة الذاتية، والاستماع لصديق ناصح مدرك، أو طبيب حاذق، أو مستشار أمين.

القابلية النفسية للتغيير والاستماع الجيِّد، والانفصال عن المشاعر السلبية، ومقاومتها من الداخل.. يساعد كثيراً.

وجِماعُ الأمر في تنشيط الإيمان، وبَعْثه، واستشعار القرب من الله، وترديد أسمائه الحسنى الجميلة التي تخلو من: « المنتقم الباطش »، وحتى « شَدِيدُ الْعِقَابِ » ليس من الأسماء الحسنى، إنها: « الرَّب، الرَّحمن، الرَّحيم، الكريم، القريب، الفتَّاح، الغفَّار، الستَّار أو الستِّير، السَّلام، المؤمن، اللطيف، الخبير، الأحد، الصمد (تصمد إليه الخلائق بحاجاتها وسؤالاتها) ».

وَكَم لِلّهِ مِن لُطفٍ خَفيٍّ يَدِقُّ خَفاهُ عَن فَهمِ الذَكيِّ

وَكَم أَمرٍ تُساءُ بِهِ صَباحاً وَتَأتيكَ المَسَرَّةُ بِالعَشيِّ!

إِذا ضاقَت بِكَ الأَحوالُ يَوماً فَثِق بِالواحِدِ الفَردِ العَلِيِّ

وصف المنتحر بالكفر لا يليق بمن يعرف قدسية هذه الأسماء وعظمتها، وهو تقنيطٌ من رحمة الله، وقولٌ بغير علم، والوعيد بالعقاب لا يعني التكفير، والمذنب تحت مشيئة الله إن شاء عذَّب، وإن شاء غفر، وقد دعا النبي للمنتحر بالمغفرة -كما في صحيح مسلم-، وإن أعلَّ الحديث بعض أهل العلم، ولكن المعنى لا خلاف عليه.

اللغة الهادئة الهادية المحببة المشفقة؛ هي اللائقة بالناصحين، وليس لغة الزجر، والإغلاظ؛ التي تدعو إلى التعنُّت والنفور؛ خاصة حين تخاطب المكلومين والمصابين، ولعلّ جُلَّ الناس كذلك!

ثمَّ نفوس محطَّمة، ساء ظنها بالناس وبالحياة؛ يمكن انتزاعها من خيبتها وَوَهْدَتِها بكلمات الحب والأمل والسلوان، وبالوقوف المعنويِّ إلى جانبها؛ لتعلم أن الدنيا ما زالت بخير ما دام فيها أمثالكم؛ ممن يشفقون على من يعرفون، ومن لا يعرفون، ويواصلون الدعوات للمكروبين والملهوفين والحزانى؛ فلنردد مع إحداهن:

(اللَّهم إني استودعك نفساً لا أعلمها أنت تعلمها، اللَّهم آنس وحدتها، وفرِّج كربتها، وقوِّ عزيمتها، وحقق رجاءها، واملأ حياتها بهجة وسعادة، وامنحها عمراً مديداً في طاعتك، وزوجاً طيِّباً يشاطرها الحلو والمر، وذريَّة صالحة.. إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ!).

إنتقاها لكم أخوكم أبو خالد

الخميس

وبالقرآن نُكمل مابدأنا .. بتفسيرٍ يقود إلى التدبر


نعتذر أشد الأعتذار لتأخرنا وتكاسلنا لضروف طرأت فالعذر نرجوه منكم
وبسم الله نتوكل ونكمل مابدأناه في التفسير
أتحفونا بما لديكم





رسائل الجوال

قالوا الوسادة تحمل رأس الغني والفقير والصغير والكبير والحارس والأمير لكن لا ينام عليها بعمق إلا مرتاح الضمير